Page 118 - web
P. 118

‫مقالأاختباروأارلاءجامعة‬

                                                                        ‫مفهوم صناعة الإنسان‪:‬‬

                                                                      ‫من أجل تحقيق الأمان‪،‬‬
                                                                             ‫وتطوير الأوطان‬

         ‫د‪ .‬مصطفى بو زغيبة‬
‫أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء‬

             ‫المملكة المغربية‬

   ‫الأرض َقا ُلوا إِ َّن َما َن ْح ُن ُم ْص ِل ُحو َن‪[ ) ‬البقرة‪.]11/‬‬  ‫يعد موضوع صناعة الإنسان من الموضوعات‬                                      ‫صناعة الإنسان يجب‬
‫والخطير أن مجموعة من الناس تلهث وراء‬                                  ‫التي تشغل بال الإنسانية جمعاء‪ ،‬وهو موضوع‬                                  ‫أن تكون وفق هدايات‬
‫هذا النموذج الزائف منبهرة به ومستلبة دون‬                              ‫قديم جديد‪ ،‬بحيث إن الكل يدرك أن الاستثمار‬                              ‫الوحي المتمثل في الكتاب‬
‫وعي‪ ،‬تاركين النموذج الأمثل‪ ،‬وهو الحفاظ على‬                            ‫في المصادر البشرية هو الوسيلة الأمثل والأنجع‬                           ‫والسنة النبوية المشخصة‬
‫الهوية الدينية والثقافية والمجتمعية التي ارتضتها‬                      ‫لتحقيق الأمن والأمان‪ ،‬ولكسب رهان التنمية‪،‬‬                                ‫في النموذج الأكمل ألا‬
                                                                      ‫ومحاربة التطرف والإرهاب الذي خ َّرب الأوطان‪،‬‬                            ‫وهو سيدنا محمد صلى‬
      ‫الدولة‪ ،‬وأجمعت عليها مكونات المجتمع‪.‬‬                            ‫والكل يعي وع ًيا تا ًما لا مراء فيه‪ ،‬أن صناعة‬                            ‫الله عليه وسلم‪ ،‬ومن‬
‫وسنحاول مقاربة مفهوم الصناعة وما يحققه‬                                ‫الإنسان هي مطلب أساسي وجوهري في الرقي‬                                 ‫تبعه من العلماء الربانيين‬
                                                                      ‫والازدهار‪ ،‬وأن تربع الأمة على عرش القمة‬                                  ‫الحاملين لسر الصنعة‬
    ‫هذا المعنى من أخلاق المحبة والأمن والسلام‪.‬‬                        ‫والريادة الحضارية لا يكون إلا بالتحقيق الأمثل‬
                              ‫مفهوم الصناعة‪:‬‬                          ‫لهذا الرهان‪ ،‬ولن يتأتى ذلك إلا بصون الأمة‬                                             ‫الربانية‬
                                                                      ‫لنموذجها المتكامل والمتوازن والتحلي بأخلاق‬
 ‫صنع‪ :‬صنعه يصنعه صن ًعا فهو مصنوع‪ :‬عمله‪.‬‬                              ‫المحبة والسلام والتعايش المشترك؛ لأن هذا‬                                                         ‫‪116‬‬
‫اصطنعه‪ :‬اتخذه‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬واصطنعتك‬                                 ‫الإنسان ما هو إلا صناعة ربانية‪ُ ،‬وجد لأداء رسالة‬
‫لنفسي) [طه‪ ]41/‬تأويله‪ :‬اخترتك لإقامة حجتي‬                             ‫ربانية‪ ،‬وهي الاستخلاف في الأرض وعمارتها‪ ،‬ولا‬
‫وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في‬                                      ‫يكون ذلك إلا عن طريق منظومة من الأمن تحقق‬
‫الخطاب عني والتبليغ بالمنزلة التي أكون أنا بها لو‬
‫خاطبتهم واحتججت عليهم‪ ،‬وقال الأزهري‪ :‬أي‬                                             ‫للناس الاطمئنان والعيش بسلام‪.‬‬
                                                                      ‫من خلال هذا نتساءل ما نموذجنا الذي نريد؟‬
                           ‫ربيتك لخاصة أمري‪.‬‬                          ‫وعلى أي أساس يصنع الإنسان؟ وماذا سنقدم‬
‫والاصطناع‪ :‬افتعال من الصنيعة وهي العطية‬                               ‫لهذه البشرية المتعطشة للسلم والسلام والأمن‬

                           ‫والكرامة والإحسان‪.‬‬                                                               ‫والأمان؟‬
‫وقوله تعالى‪( :‬ولتصنع على عيني) [طه‪]39/‬‬                                ‫إن النماذج الحضارية الآن قد أفلست؛ لأنها‬
‫قيل‪ :‬معناه ل ُتغ ّذى‪ ،‬قال الأزهري‪« :‬معناه لتربى‬                       ‫صنعت الإنسان صناعة مادية صرفة‪ ،‬بحيث‬
‫بمرأى مني‪ .‬يقال‪ :‬صنع فلان جاريته إذا رباها»‪،‬‬                          ‫تلهث وراء الماديات وحب الظهور والتميز‪ ،‬ولا‬
‫(تهذيب اللغة‪ ،‬الأزهري‪ ،‬باب العين والصاد مع‬                            ‫تقيم لحب الوطن أي اهتمام‪ ،‬إنما غرضهم هو‬
‫النون‪ )38/2 ،‬وفلان صنيعة فلان وصنيع فلان‬                              ‫تحقيق جملة من التعليمات الخارجية التي‬
‫إذا اصطنعه وأدبه وخ ّرجه ور ّباه‪ .‬ويقال‪ :‬صانعت‬                        ‫تقوض أركان الأمان في مجتمعهم‪ ،‬ويتوهمون‬
                                                                      ‫أنهم يصلحون‪ ،‬وهم من أكبر المفسدين في‬
                                ‫فلا ًنا أي رافقته‪.‬‬                    ‫الأرض‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وإِ َذا ِقي َل َل ُه ْم اََل ُت ْف ِس ُدوا يِِف‬
‫فمن معاني «صنع» من خلال ما سبق‪ :‬العمل‪،‬‬
‫والعطية‪ ،‬والكرامة‪ ،‬والإحسان‪ ،‬والتربية‪،‬‬
‫والتأديب‪ ،‬والمرافقة الدالة على المصاحبة‪ ،‬وهي‬
 ‫كلها مصطلحات تدخل في باب التزكية والتربية‪.‬‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123